شبكة الرواد السورية
شبكة الرواد السورية
شبكة الرواد السورية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شبكة الرواد السورية

شبكة الرواد السورية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولالمكتبة الالكترونيةمركز التحميل

 

 القدس في عهد السلطان محمود الثاني 1808-1839

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عمر عجاج
عضو جديد



mms mms : القدس في عهد السلطان محمود الثاني 1808-1839 Fxqjk1
البلد : سوريا
عدد المساهمات : 20
تاريخ التسجيل : 06/03/2010
العمر : 32

القدس في عهد السلطان محمود الثاني 1808-1839 Empty
مُساهمةموضوع: القدس في عهد السلطان محمود الثاني 1808-1839   القدس في عهد السلطان محمود الثاني 1808-1839 I_icon_minitimeالسبت أبريل 09, 2011 1:22 pm

القدس في عهد السلطان محمود الثاني: حكم في الفترة (1808-1839)- القدس في عهد السلطان محمود الثاني: حكم في الفترة (1808-1839)
بسم الله الرحمن الرحيم
القدس في عهد السلطان محمود الثاني: حكم في الفترة (1808-1839):
في بداية القرن التاسع عشر كان على رأس سدة الحكم في الدولة العثمانية السلطان محمود الثاني، الذي حاول إحداث بعض الإصلاحات في أجهزة الدولة فكان من أهمها القضاء على الانكشارية وإصلاح الجندية، إلا أن هذه الإصلاحات لم تحدث سوى تغيير بسيط وجزئي في أحوال البلاد التي استمرت في الانحدار والتراجع الكبير أمام تقدم وازدهار الدول الأوروبية في تلك الآونة. أما بالنسبة للمدينة المقدسة فقد كان حكمها خلال الجزء الأعظم من الثلث الأول في القرن التاسع عشر في يد والي صيدا على الرغم أنه كان عادة يتبع والي دمشق.
بعد وفاة والي صيدا أحمد باشا الجزار سنة 1804، تلاه سليمان باشا (1804-1818) الذي تلاه بدوره عبد الله باشا (1818-1831)، وخلال هذه الفترة تولى حكم القدس عدد من الحكام المحليين الذين كان يدعى الواحد منهم بـ (المتسلم)، وقد تولى متسلم يافا محمد أبو المرق حكم القدس في خلال السنوات (1802-1803) و(1805-1807)، لكنه كان مكروهًا من قبل العامة من الناس لكثرة استبداده وتسلطه على أهل يافا والقدس والخليل والرملة وغزة، وقد ضاق أبو المرق بالحجاج المسيحيين أيضًا وفرض عليهم الإتاوات الباهظة.
أما عن واقع المدينة، فمن خلال مشاهدات الزوار والسواح الأجانب للمدينة في أوائل القرن التاسع عشر، فقد قال أحدهم أنه لم ير أثرًا للمدارس التي كانت تحيط بالحرم فقد اختفت، وهى تلك المدارس التي رآها السائح (أوليا جيلي) في الأروقة المحيطة بالحرم في القرن السابع عشر، وسبب اختفائها في الغالب هو انقراض أوقافها كما سبق الحديث عنه في الفصل السابق.
ويذكر السائح والعالم الألماني سيتزن seetzen الذي زار المدينة عام 1806م أن هناك مصنعًا كبيرًا للجلود قرب كنيسة القبر المقدس (كنسية القيامة) وكذلك عددًا من المشاغل بينها 5 طواحين و25 فرنًا ويبدو من وصفه للمهن المحلية أنه كان في مدينة القدس 700 من أصحاب الصنائع والتجار كحد أدني.
أما عن الجانب السكاني للمدينة فقد قدر السائح seetzen سكان المدينة سنة 1806 بحوالي 12 ألف نسمة. في حين قدر السائح فولني volney الذي زار المدينة في فترة سابقة أي سنة 1784 في أواخر القرن الثامن عشر بأن عدد سكانها حوالي 12 ألفًا أو 14 ألف نسمة. ولأنه من غير الممكن إعطاء أرقام دقيقة لغياب الإحصاءات الرسمية للسكان، فإن العدد حسب هذه التقديرات وغيرها لم يتجاوز 14 ألف نسمة والمسلمون كانوا يشكلون الكثرة الساحقة.
ومن أشهر علماء القدس في تلك الفترة موسى الخالدي (1767-1832) وكان عالمًا بارزًا ومؤلفًا في الفقه، وقد تمتع باحترام كبير لدى السلطان محمود الثاني وفي الدوائر العلمية في استنبول، وقد شغل في وقت متأخر من حياته منصبًا هامًا هو قاضي عسكر الأناضول، وهو أحد أعلى ثلاثة مناصب قضائية في الدولة العثمانية .
أما أهم التعميرات والترميمات التي تمت في مدينة القدس خلال السنوات الأولى من القرن التاسع عشر وبأمر من السلطان محمود الثاني فهي :
1 – في سنة 1812 عمّر متسلم القدس كنج آغا قناة السبيل التي تجري فيها مياه برك سليمان إلى القدس.
2 – في سنة 1816 قام سليمان باشا والي صيدا بترميم المسجد الأقصى على نفقته الخاصة وأنشئ معمل خاص للقيشاني في مدينة القدس يسد احتياجات المسجد الأقصى منه في عمليات الترميم.
3 – في عامي 1817-1818 قام الوالي سليمان باشا بتنفيذ أعمال ترميم كبيرة في قبة الصخرة المشرفة كان السلطان محمود الثاني أمر بها، واستمرت هذه الترميمات إحدى وعشرين شهرًا وبلغت تكاليفها 4000 كيس.

ومن الحوادث الهامة التي شهدتها المدينة المقدسة في عهد السلطان محمود الثاني نذكر منها ما يلي:
الحادثة الأولى :
في سنة 1808 دمر حريق الجزء الغربي من كنيسة القيامة، واتهم الأرمن بإشعال النار في الجزء المخصص لهم من الكنيسة في محاولة لتغيير الوضع الراهن status quo وقدمت الطوائف جميعها عروضًا لإعادة التعمير في الكنيسة وبعد كثير من البيانات والاحتجاجات، نجح الروم في الحصول على إذن لمباشرة العمل.
وفي تلك الأوقات كان السلطان محمود الثاني قد تأكد من حالة الفوضى والفساد التي حلّت بقوات الانكشارية، وأنها من أكبر أسباب تأخر الدولة العثمانية إزاء تقدم الدول الأوروبية المستمر والتي كانت تعتمد الأنظمة العسكرية في إدارة جيوشها، فأصدر أوامره السلطانية بضرورة انضمامهم إلى الجيش، وعلى إثر إسناد مهمة حماية قلعة القدس إلى جنود آخرين محلهم قام الانكشاريون بثورة ضد الدولة، وأخذوا يعيثون فسادًا بالمدينة، حتى أنهم حرّضوا السكان المسلمين على عرقلة أعمال التعمير في كنيسة القيامة. وتلا ذلك ثورة عارمة وطرد الثائرون متسلم المدينة واعتصموا بالقلعة.
ولما علمت دمشق بما جرى استنجد واليها بسليمان باشا والي صيدا الذي أصدر أوامره بتجريد حملة لتأديب العصاة بقيادة ضابط مغربي يدعى أبو زريعة وأمره بفتح القدس وقطع دابر الفتنة.
بعد وصول الحملة إلى القدس أخذ العفيفي رئيس الانكشارية وأبو زريعة والمتسلم ينصحون المتمردين بالانصياع للأوامر والانضباط، لكنهم لم يستجيبوا للدعوة مما اضطر قائد الحملة للتنكيل بهم وإرغامهم على الاستسلام، ويقال أن أبا زريعة قطع بيديه أعناق 64 ثائرًا، وأرسل رؤوسهم إلى سليمان باشا. وفي عام 1826 تمكن السلطان محمود الثاني من القضاء نهائيًا على الانكشارية، فأمر بإبطال فئاتها وملابسها واسمها في جميع الممالك المحروسة.
الحادثة الثانية :
أنه في عام 1823 قدم إلى مدينة القدس أول جماعة من المبشرين الإنجليز أملاً بالعمل على هداية اليهود إلى النصرانية.
الحادثة الثالثة :
في عام 1824 شهدت مدينة القدس ثورة شعبية سببها زيادة عبء الضرائب، وقد روى وقائعها بالتفصيل الراهب اليوناني نيوفيتوس neophytes قائلاً: طلب والي دمشق الجديد مصطفي باشا أن يدفع الفلاحون أعشارًا أكبر، تبلغ عشرة أضعاف الأعشار المعتادة. وعندما ثار فلاحو المنطقة المحيطة بمدينة القدس، قام الباشا بإرسال 100 جندي إلى قلعة المدينة، ثم سار بنفسه من دمشق على رأس خمسة آلاف رجل لمعاقبة الثائرين، ولدى اقتراب الباشا من المنطقة، هجر الفلاحون قراهم ولجأ بعضهم إلى الأديرة التي قام الجنود بتفتيشها، ولما خشي المسيحيون أن تدمر المدفعية الأديرة، قاموا بدور الوساطة بين الباشا والفلاحين، وبعد أن دفع الفلاحون والمسيحيون غرامة كبيرة تم التوصل إلى اتفاق، ولكن فور مغادرة الباشا إلى دمشق استؤنفت الثورة، لكن هذه المرة داخل المدينة نفسها، ففي الخامس من حزيران سنة 1825 احتل أهل القدس القلعة وحرسوا أبواب المدينة حراسة دقيقة، وعندما عاد المتسلم وقد كان خارج المدينة من بيت لحم والقرى المجاورة لم يسمح له بدخول المدينة، وانتخب أهالي القدس شخصين من بينهم ليكونا زعيمين لهم وهما يوسف عرب جبجي الجاعوني، وأحمد أغا الدزدار العسلي، وكان من أوائل الإجراءات التي اتخذها الحكام الجدد تخفيض الضرائب وتحرير سكان بيت لحم والقرويين من مسلمين ومسيحيين من معظم الأعشار. ولما علم السلطان بذلك، أمر عبد الله باشا والي صيدا بإخضاع الخونة، فأرسل الباشا على الفور نائبه الكيخيا إلى القدس على رأس ألفي جندي، في البداية رفض زعماء القدس الاستسلام، لكنهم بعد أن أخذت نيران المدفعية تتساقط على المدينة من جبل الطور دون تمييز استسلموا وأعطوا الأمان للخروج من المدينة، وبذلك انتهت هذه الثورة دون سفك دماء.
الحادثة الرابعة :
وهي من أهم الحوادث التي جرت في عهد السلطان محمود الثاني والتي لم تؤثر في مدينة القدس وحدها وإنما على بلاد فلسطين والشام كلها، وهي إعلان والي مصر محمد على باشا الحرب على عبد الله باشا والي صيدا وعكا، وإرساله جيشًا بقيادة ابنه إبراهيم الذي تمكن من احتلال مدينة القدس ومعظم مدن فلسطين في عام 1831.
وبهذا الاحتلال المصري للمدينة القدسية انتهت الفترة الأولى من حكم العثمانيين لمدينة القدس خلال القرن التاسع عشر.
ثانيًا - القدس في عهد السلطان عبد المجيد ( 1841-1861 ) :

بعد وفاة السلطان محمود الثاني سنة 1839 تولى السلطنة من بعده ابنه السلطان عبد المجيد الذي حاول السير على نهج أبيه في اتباع السياسة الإصلاحية في البلاد، فكان أول عمل قام به عند توليه العرش هو إصدار مرسوم (خط كلخانة الشريف) الذي دشن الفترة الأولى للتنظيمات العثمانية في الفترة الواقعة من عام 1839 إلى 1856م، وقد تضمن المرسوم الأمور التالية:
1 – صيانة حياة وشرف وممتلكات الرعايا بصورة كاملة بغض النظر عن المعتقدات الدينية .
2 – ضمان طريقة صحيحة لتوزيع وجباية الضرائب.
3 – توخى العدل والإنصاف في فرض الجندية وتحديد أمدها.
بعد أن وضع السلطان عبد المجيد أساس الحكم والعمل في بلاده أقال إبراهيم باشا عن حكم ولاية سوريا في فرمان تاريخه 1840م.
وفي عام 1841 تمكن السلطان عبد المجيد من استعادة بلاد الشام وفلسطين بمساعدة الدول الغربية وبسط السيطرة العثمانية عليها من جديد، وهكذا عادت مدينة القدس تحت الحكم والسيادة العثمانية.
وفي عام 1856 أصدر السلطان عبد المجيد مرسوم الإصلاح الثاني المعروف بـ (خطي همايون) الذي دشن الفترة الثانية للتنظيمات في الفترة الواقعة (1856-1876) والذي يقضى بالمساواة بين جميع الرعايا العثمانيين في الحقوق والواجبات من غير تفريق بين العناصر والمذاهب. وعلى إثر ذلك انتظم المسيحيون في الجندية مثلهم مثل المسلمين.
في أواسط القرن التاسع عشر كان سور المدينة لا يزال يشكل حدود مدينة القدس، ولم تكن هناك أية مبان خارج السور الذي كانت تغلق أبوابه عند الغروب ولا تفتح لأي إنسان يأتي متأخرًا بعد غروب الشمس. وبداخل هذه الأسوار كانت لا تزال هناك مساحات كبيرة من الأراضي تستغل للزراعة، كما كان هناك العديد من البيوت والبنايات المهدمة والمهجورة.
في سنوات الأربعينيات والخمسينيات كان البروتستانت الألمان والإنجليز أول من أقام البنايات الجديدة في داخل وخارج المدينة مثل كنيسة المسيح christ church التي دشنت سنة 1849، إلا أن الازدهار الحقيقي للبناء في المدينة بدأ في سنة 1856 واستمر بعد ذلك باضطراد دون توقف، وفي سنة 1858 تأسست المسكوبية خارج أسوار المدينة، وبعد ذلك أخذ المقادسة يبنون بعض المساكن خارج السور بجوار المسكوبية كما تم فتح باب صغير في إحدى درفتي كل باب من أبواب السور لتستعمل ليلاً لدخول المتأخرين إلى المدينة.
أما عن الإحصاءات السكانية لمدينة القدس، والتي تعتمد على دفتر النفوس العثماني أن التعداد السكاني للمدينة لسنة 1849 كان كما يلي:
148، 6 نسمة مسلم، 744، 3 نسمة مسيحي، و790، 1 نسمة يهودي، أي ما مجموعه 682، 11 نسمة.
منذ عودة الحكم العثماني للبلاد سنة 1841 وحتى بداية الحرب العالمية الأولى تميزت مدينة القدس تميزًا واضحًا عن غيرها من المدن الفلسطينية والعربية وذلك بتطورها الكبير والسريع والذي كان يعكس الآثار الناجمة عن السياسة العثمانية من جهة، والتدخلات الأوروبية من جهة ثانية، أما تطورها في عهد السلطان عبد المجيد فقد سار في اتجاهين:
أولهما: تطورها الإداري بالنسبة للتقسيمات الإدارية المتبعة في النظام الإداري العثماني.
ثانيهما: تطورها التاريخي لتميزها الديني وليس لتميزها الجغرافي أو الاقتصادي.

أولاً: التطور الإداري لمدينة القدس:
في عشية الاحتلال المصري لبلاد الشام وفلسطين بالتحديد في سنة 1830م وحّد الباب العالي حكم فلسطين بسناجقها الثلاثة ( القدس- نابلس – عكا ) في يد والي عكا. واستمر الحال كذلك في إبان الحكم المصري لفلسطين في الفترة
( 1831- 1841 ) حيث كانت عكا هي العاصمة الفعلية لسناجق فلسطين الثلاثة.
وبعد عودة السيادة العثمانية على البلاد عام 1841 عمل العثمانيون على الاستمرار في اتباع سياسة التنظيمات الإدارية التي كانت متبعة منذ عهد محمد علي في البلاد مع المحاولة على التأكيد على أهمية سنجق القدس، فجعلوا مدينة القدس هي العاصمة المركزية للمناطق الفلسطينية الوسطى والجنوبية، كما أصبحت أقضية غزة ويافا تابعتين لسنجق القدس بشكل دائم، وحتى عام 1858 كان سنجق نابلس تحت سلطة حاكم القدس.
وهكذا برزت مدينة القدس كمركز للإدارة المركزية في فلسطين وهى إحدى التطورات الإدارية الهامة في فلسطين خلال القرن التاسع عشر.

ثانيًا: التطور التاريخي لمدينة القدس:
كنتيجة للاحتلال المصري لفلسطين وبلاد الشام توضحت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة وخصوصًا أهميتها للتجارة الدولية وتوسطها بين الشرق والغرب على خطوط المواصلات العالمية.
وبما أن الغرب في ذلك الوقت كان في بداية عصر الإمبريالية والتطور الصناعي والتوسع الاقتصادي، فقد توجهت سياسات دوله الكبرى نحو المنطقة بشكل عام والمدينة القدسية بشكل خاص. وبما أن العثمانيين لم يكن بإمكانهم التراجع عن سياسة الانفتاح على العالم بشكل عام والغرب بشكل خاص، والتي اتبعها المصريون في البلاد خصوصًا وأن عودة السيادة العثمانية على البلاد قد تمت بمساعدتهم، فقد توالى إلى فتح القنصليات الغربية في مدينة القدس وهى المدينة التي لم يكن بإمكان أي دولة أن تقيم لها أي وجود فيها خلال العهد العثماني السابق للحكم المصري.
بعد أن تم افتتاح أول قنصلية غربية في مدينة القدس عام 1838م في إبان الحكم المصري لفلسطين وهى القنصلية الإنجليزية، تبعها افتتاح العديد من القنصليات الأجنبية نتيجة لتغير المناخ الدولي بعد حرب القرم، ففي عام 1856 تم افتتاح قنصلية بريطانيا للمرة الثانية، كما افتتحت نهائيًا قنصلية فرنسا وفي سنة 1857 افتتحت قنصلية لأمريكا. وفي سنة 1862 افتتحت قنصليتان لروسيا واليونان، فأصبح عدد القنصليات الأوروبية في القدس ثمانية. ولقد تم كل ذلك في عهد متصرف القدس كامل باشا الذي أمر بأن تطلق المدافع إحدى وعشرين طلقة تحية لأعلام هذه القنصليات عند رفعها، وكان أهل القدس يقابلون كل هذه المراسم باحتجاج وغضب شديدين.
لم يقف التوجه الغربي نحو المدينة المقدسة بفتح القنصليات فقط، وإنما وجدت الدول الغربية أن أسهل وأسرع الطرق لبسط نفوذها في المنطقة هو من خلال بسط حمايتها على الأقليات غير الإسلامية في الدولة العثمانية، فمثلاً لم يكن لبريطانيا وكنيستها الإنجيلية أية حقوق أو مصالح تدعيها في علاقتها بالمدينة القدسية، فعمدت إلى ادعاء قيام قنصليتها بالمدينة القدسية لحماية اليهود ولرعاية مصالحهم. فقد تلقى القنصل البريطاني الأول يونغ young تعليمات بأن يعتبر الحماية العامة لليهود جزءًا هامًا من مهام وظيفته، كما أصبحت هذه المهام عزيزة للغاية على خلفه المستر جميس فن james finn الذي تولى منصبه في ربيع سنة 1846 حتى عام 1862.
وبما أنه لم يكن للبروتستانت أي قاعدة مؤسسية في الأراضي المقدسة، تم خلق هذه القاعدة بتأسيس أسقفية إنجليزية بروسية في القدس سنة 1841 وبناء كاتدرائية بروتستانتية وهى كنسية المسيح christ church التي أنشئت سنة 1849.
وفي عام 1850 تمكن البروتستانت من الحصول على الاعتراف بهم كطائفة دينية رسمية في الدولة العثمانية، مما دعم الدور البريطاني في ممارسة وظيفة الحماية لليهود والبروتستانت معًا.
بعد تأسيس الأسقفية البروتستانتية، تلاه قدوم العديد من البطاركة إلى مدينة القدس واتخذوها مركزًا لهم بدلاً من القسطنطينية، ففي سنة 1847 عين البابا بيوس التاسع أول بطريرك لاتيني بمدينة القدس هو البطريرك يوسف فالرغا joseph valerga ، في حين هذا المنصب لم يكن له أي وجود فعلي في المدينة من قبل.
هذا وقد اعتبرت فرنسا تعزيز الوجود الكاثوليكي في فلسطين مهمتها الرئيسية، والأكثر إلحاحًا للسياسة الفرنسية في الأراضي المقدسة، كما عمدت الكنيسة الكاثوليكية على تشجيع الجاليات والإرساليات الكاثوليكية للهجرة من شتى بقاع العالم إلى مدينة القدس والإقامة فيها.
ومن الحوادث الهامة التي جرت في عهد السلطان عبد المجيد وكان لها تأثير كبير في ازدياد التغلغل الديني والثقافي الأوروبي في مدينة القدس، هي حرب القرم التي نشبت بين روسيا والدولة العثمانية في الفترة الواقعة بين 1853-1856 وسببها اشتداد الخصام بين الروم الأرثوذكس واللاتين حول النجمة الفضية التي اختفت من كنيسة المهد في مدينة بيت لحم، واتهم اللاتين الروم بسرقتها، ولما ناصرت الحكومة العثمانية اللاتين وأصدرت في سنة 1852 إذنًا لهم بتسلم مفاتيح بابين من أبواب مغارة المهد وأن يضعوا نجمة من الفضة للكنيسة، احتجت روسيا وطالبت الباب العالي بالاعتراف بحمايتها للروم الأرثوذكس في الدولة العثمانية، وعندما أعلن الباب العالي رفضه هذا الأمر، أعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية، فناصر الفرنسيون والإنجليز العثمانيين وتم قهر الروس، وعقدت على إثر ذلك معاهدة الصلح في باريس في 30 آذار سنة 1856.
ومن الآثار المترتبة على حرب القرم، دخول الدول الأوروبية في سباق فيما بينها من أجل تأمين الامتيازات الأوروبية والوجود الديني والثقافي الأوروبي في مدينة القدس، كما انتشرت في هذا الوقت الدعوة بصورة مكشوفة إلى الامتلاك الفعلي للأراضي المقدسة، وذلك على الرغم من حرص الدول الغربية على الحفاظ على وحدة أراضي الدولة العثمانية، وذلك من خلال التعليمات الموجهة إلى قناصلها في المدينة لأن التغلغل الأوروبي لم يكن يهدف إلى السيطرة الإقليمية وإنما إلى بسط نفوذه السياسي في المنطقة.
كما أخذت شركات الملاحة تعرج بانتظام إلى المواني الفلسطينية وتجلب جماعات من الحجاج والمسافرين إلى الأراضي المقدسة، حتى أنه في أيام الأعياد كانت تزدحم مدينة القدس بأعداد الحجاج الذي كان يفوق عدد سكان المدينة أحيانًا.
كذلك اتجه الرأي الروسي إلى ضرورة تأسيس وجود روسي في فلسطين، ففي سنة 1856 تم تأسيس شركة الملاحة البخارية الروسية التي كان من شأنها أن تزاحم خطوط البحر المتوسط الفرنسية والنمساوية وأن تنتزع منها بشكل خاص أشغال نقل الحجاج الروس إلى فلسطين.
وفي سنة 1857 كتبت وزارة الخارجية الروسية في تقرير إلى القيصر تقول فيه: ( ينبغي علينا أن نبني وجودنا في الشرق لا عن طريق السياسة بل عن طريق الكنيسة، فلا الأتراك ولا الأوروبيون الذين لديهم بطاركتهم وأساقفتهم في المدينة القدسية بمقدورهم أن يمنعونا ذلك … إن القدس هي مركز العالم وإرسالياتنا ينبغي أن تكون هناك).
وفي سنة 1858 وصل إلى القدس في وقت واحد أسقف روسي وقنصل روسي (وكيل شركة الملاحة) كما نقل في السنة نفسها بطريرك الأرثوذكس الذي كان يقيم حتى ذلك الوقت في القسطنطينية إلى المدينة المقدسة.
وهكذا تحولت مدينة القدس من كونها مسرحًا للصراع المحدود بين الطوائف المسيحية المتنازعة، لتصبح ميدانًا تتصارع فيه كل القوى الدولية من أجل بسط نفوذها السياسي.
من أهم الأحداث التي جرت في مدينة القدس في عهد السلطان عبد المجيد ما يلي:
1 – في سنة 1853 تم ترميم مسجد الصخرة بإرشاد مهندس أرمني خبير ببناء القباب اسمه (قرة بت) حيث قام بتقوية القبة، ورمم بعض النقوش والزينات الداخلية.
2 – في سنة 1854 حاول اليهود الاستفادة من تمتعهم بالحماية البريطانية في أنحاء الدولة العثمانية، فتقدموا إلى الباب العالي للسماح لهم بتعمير محل عتيق على اعتبار أنه كنيس قديم يحتاج إلى إعادة تعمير ولما جرى الكشف عنه تبين أنه دير قديم، ولما لم يجابوا إلى طلبهم، أعلمهم القنصل البريطاني بالقدس أن يثيروا قضية سمح فيها ببناء كنيسة لطائفة البروتستانت، فنجحوا في مأربهم وصار لهم كنيس خاص بالسكناج يقابل كنيس السفارديم.
3 – وفي ذات العام 1854 حصل السير منتغيوري على فرمان من السلطان عبد المجيد استطاع بموجبه شراء الأراضي في مدن يافا والقدس، وقد كان هذا محظورًا من قبل. فكانت القطعة التي اشتراها في مدينة القدس بموجب هذا الفرمان أول أرض يمتلكها اليهود الأجانب في البلاد، وهذه القطعة هي (يمين موشيه) فوق بركة السلطان، وقد أقيم على هذه الأرض فيما بعد حي يهودي دعي منتغيوري ولا زال يعرف بهذا الاسم حتى يومنا هذا.
4 – وفي سنة 1856 صدر فرمان سلطاني لمتصرف القدس بتسليم (الصلاحية) لقنصل فرنسا بالمدينة المقدسة، حيث قدمت كهدية من السلطان عبد المجيد إلى نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، فسلمت للقنصل الفرنسي وبنى لها سورًا وحصنها.
5 – في سنة 1860 تم تأسيس أهم مؤسسة تعليمية غربية في مدينة القدس هي مدرسة (شنلر) للأولاد الأيتام.
6 – وفي ذات العام 1860 عمر ثريا باشا متصرف القدس قناة السبيل التي تستقي القدس بواسطتها الماء من برك سليمان.
7 – في أواخر أعوام الستينيات تمكن وارن warren من إحصاء 1932 تاجر وحرفي مقدسي يعملون في 1320 محلاً تجاريًا منهم 143 متجرًا عام - 88 تاجر خضار - 189 متجرًا للسلع التموينية -101 مخبز - 46 بائع لحوم ودجاج - 58 تاجر خمور - 30 طحانا للبن - 37 بائع تبغ – 230 حذّاء (صانع أحذية) - 62 خياطًا - 28 صباغا – 32 طاحن سمسم - 76 صبانًا (صانع صابون) - 151 حدادًا - 36 نجارًا - 86 صانع نعوش - 56 حلاقًا - 23 ساعاتيًا - 22 صرافًا وهذه القائمة قد تمت بـ 828 مسلمًا، و601 مسيحي و503 يهوديين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
القدس في عهد السلطان محمود الثاني 1808-1839
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكة الرواد السورية :: قسم المكتبة الالكترونية :: كتب منوّعة-
انتقل الى: